تفسير الآيات (1-7) من سورة البقرة

تفسير الآيات (1-7) من سورة البقرة
232 0

الوصف

 

سُورَةِ البَقَرَةِ 

أسماء السُّورة:

1- سمِّيت هذه السُّورةُ الكريمة، سورةَ البَقرة . فعن أَبي مَسعودٍ عُقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((مَن قرَأ بالآيتَينِ مِن آخِرِ سورةِ البَقرةِ في ليلةٍ كفَتاه )) .

 2- سمِّيت هي وسورة آل عِمران، الزَّهراوينِ . فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: ((اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شَفيعًا لأصحابه، اقرَؤوا الزَّهرَاوَيْنِ : البقرةَ، وسورةَ آلِ عمرانَ ...)) .

فضائلُ السُّورة وخصائصُها:

لهذه السُّورة الكريمةِ فضائلُ متعدِّدة، منها:

 1- أنها تُنفِّر الشيطانَ من البَيت الذي تُقرأ فيه فعَن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((لا تَجْعَلوا بُيوتَكم مقابرَ؛ إنَّ الشيطانَ ينفِرُ من البيتِ الذي تُقرأ فيه سورةُ البَقرة )) .

 2- أنَّها وآلَ عمران تُدافعانِ عن قارئِهما يومَ القيامة، وفي قِراءتِها والعملِ بما فيها حصولُ البَركات لصاحبِها فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: ((اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شَفيعًا لأصحابه، اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ، وسورةَ آلِ عمرانَ؛ فإنَّهما تأتِيان يومَ القِيامةِ كأنَّهما غَمامتانِ ، أو كأنَّهما غَيايتانِ ، أو كأنهما فِرْقانِ من طَيرٍ صوافَّ ، تُحاجَّان عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها بَركةٌ، وتركَها حَسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ ))، قال معاويةُ ابن سلام -أحد رجال سند الحديث-: بلغَني أنَّ البطلَةَ السَّحرةُ . 3- تعظيمُ الصَّحابة رضي الله عنهم لقارئِها هي وآل عمران فعن أَنسٍ رضي الله عنه، قال: ((كان الرجلُ إذا قرَأَ البَقرة وآل عمران، جَدَّ فينا- يعني: عظُم- وفي رواية: يُعَدُّ فينا عَظيمًا، وفي أخرى: عُدَّ فينا ذا شأنٍ )) .

بيان المَكِّي والمَدني:

سورة البَقرة سورةٌ مدنيَّة، نزلتْ بعد الهِجرة، ونقَل الإجماعَ على ذلك عددٌ من المفسِّرين .

مقاصِد السُّورة:

مَن أهمِّ المقاصد التي تضمَّنتها سورةُ البقرة:

 1- الاهتمامُ بالجانب العَقديِّ؛ فقد بيَّنت السورة الكثيرَ من أصول العقيدة، وأدلَّة التوحيد، وبراهين البعث .

 2- بيانُ جوانبَ من التَّشريع الإسلاميِّ، سواءً في العِبادات، أو الأحوال الشخصيَّة، أو المعاملات الماليَّة، أو الحدود، وغير ذلك .

موضوعات السُّورة:

من أَبرزِ الموضوعاتِ التي تناولتْها سورةُ البَقرة:

 1- وصْف أصناف النَّاس، حيثُ قسَّمتْهم ثلاثةَ أقسام، هم: المؤمنون، والكافِرون، والمنافقون.

 2- وصيَّةُ الناس كافَّةً بعبادة ربِّهم، مع ذِكر بعض نِعمه الجليلة عليهم، التي تدلُّ على استحقاقِه سبحانَه وتعالى للعبادة وحْده، مع تحذيرهم إنْ لم يمتثلوا هذا الأمر، وتبشير مَن امتثل منهم بما أعدَّه الله تعالى له من النَّعيم المقيم.

 3- بداية خَلْق الإنسان، وحوار الله عزَّ وجلَّ مع ملائكتِه.

 4- قِصَّة استخلاف آدَم في الأرض، وقصَّته مع الشيطان.

 5- عَرْض أبرز الأحداث التي وقعتْ لبني إسرائيل.

 6- قِصَّة ابتلاء إبراهيمَ بالكلمات، وبنائِه الكعبةَ مع ولده إسماعيل، ووصيَّته لأبنائه ويعقوب، ووصية يعقوب لأبنائِه.

 7- عَرْض مجموعة من الأحكام الشرعيَّة في جانب العبادات، تتعلَّق بالصَّلاة والصَّدقة، والصَّوم، والحجِّ، وفي جانب المعاملات، كالرِّبا والدَّيْن، والرَّهن، وكذلك في جانب الأُسْرَة من النِّكاح والطَّلاق والإيلاء والعِدَد، وغير ذلك من أحكام.

 8- عَرْض وقائع في إحياء الله الموتى، ومنها: (قصة قتيل بني إسرائيل، وقصة الذين أصيبوا منهم بصاعقة أماتتهم، وقِصَّة الذين خرَجوا من دِيارهم وهم أُلوف حذرَ الموت، وقِصَّة الذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها، وقصَّة إبراهيم عليه السَّلام مع الطَّير).

 9- قِصَّة طالوت وجالوت مع الملأ من بني إسرائيل من بعدِ موسى عليه السَّلام.

 10- قصَّة الذي حاجَّ إبراهيمَ عليه السَّلام في ربِّه.

 

غريب الكلمات:

رَيْب: الرَّيب: الشكُّ، أو هو الشكُّ مع الخَوف، ومع تُهمَة المشكوكِ فيه، وتوهُّمُ أمْرٍ ما بالشَّيء، والرَّيب مصدر رابني الشيء: إذا حصل فيه الريبة، وهي قلق النفس واضطرابها  .

لِلْمُتَّقِينَ: الذين يقُون أنفسهم تَعاطي ما يُعاقَب عليه من فِعل أو تَرْك، والتقوى جعْل النفس في وقاية مما تخاف، وأصل الاتِّقاء: الحَجْز؛ كأنَّهم وضعوا بينهم وبين العذاب حاجزًا يقيهم  .

يُوقِنُونَ: يعلمون علمًا متمكِّنًا في نفوسهم لا يمكن أن يدخله شكٌّ، وأصل اليقين: زوال الشَّكِّ  .

الْمُفْلِحُونَ: أي: الظَّافرون بما طلبوا، الباقون في الجنة؛ فأصل الفَلَاح: الظَّفَرُ وإدراك البُغية، والبقاء  .

 

المعنى الإجمالي:

 

افتُتِحَت هذه السورةُ العظيمة بالحروف المقطَّعة؛ لبيان إعجاز القرآن؛ إذ تُبرِزُ عجزَ الخَلْق عن معارضته بالإتيان بشيءٍ من مثلِه، مع أنَّه مركَّبٌ من هذه الحروفِ العربيَّة التي يتحدَّثون بها! وهذا القرآن لا شكَّ في أنَّه نزَل من عند الله عزَّ وجلَّ، وهو هُدًى من الضلالة للمتَّقين، المصدِّقين المقرِّين بالغيب، المؤدِّين الصلواتِ على أكملِ وجه، المنفقين من طيِّب ما رزَقهم الله، المصدِّقين بالقرآن وبجميع الكتُب السماويَّة السابقة المنزلَة من عند الله عزَّ وجلَّ، الموقِنين بالبعث والنُّشور، والثَّواب والعِقاب، والحساب والميزان، وغير ذلك ممَّا أعدَّ الله تعالى لخَلْقه يوم القيامة، ثم أخبر الله عزَّ وجلَّ عن هؤلاء المتَّقين المتَّصفين بجميع ما تقدَّم ذِكرُه، بأنَّهم على نورٍ وبُرهان وبصيرة من ربِّهم سبحانه، وأنهم وحْدهم دون غيرهم، هم الفائِزون والناجون.

تفسير الآيات:

الم (1). هذه الحروفُ المقطَّعة التي افتُتِحَت بها هذه السُّورة وغيرها، تأتي لبيان إعجازِ القرآن؛ حيث تُظهِر عجْزَ الخَلْق عن معارضته بمثلِه، مع أنَّه مركَّبٌ من هذه الحروف العربيَّة التي يتحدَّثون بها ! ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2). مُناسبة الآية لِمَا قبلها: لَمَّا كان المرادُ بـ الم أنَّ هذا الكتاب من جِنس حُروفكم التي قد فُقتُم في التكلُّم بها سائرَ الخلق، ومع ذلك أنتم عاجزون عن الإتيان بسورةٍ مِن مثلِه؛ لأنَّه كلامُ الله- أشار إلى كمالِه، فأُشير إليه بأداة البُعد في قوله ذَلِكَ الْكِتَابُ؛ لعلوِّ مقدارِه، وجلالة آثارِه، وبُعد رتبته عن المحرومين. ولما عُلم كمالُه، أشار إلى تعظيمه بالتصريحِ بما يستلزمه ذلك التعظيمُ، فقال: لاَّ رَيْبَ فِيهِ . ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ. أي: إنَّ هذا القرآن، لا شكَّ في أنَّه حقٌّ في ذاته، وأنَّه نزَل من عند الله تعالى ، كما أنَّه لا يتضمَّن ما يوجب الرَّيْب . كما قال تعالى: الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة: 1-2]. وقال سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82]. هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ.

 أي: إنَّ القرآن هدًى من الضلالة، ونورٌ وتبيان للذين يتَّقون غضبَ الله تعالى وعقابَه، بامتثال ما أَمَر الله تعالى به، واجتنابِ ما نَهَى عنه . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3). الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.

 أي: إنَّ مِن صفات المتَّقين أنَّهم يُصدِّقون ويُقِرُّون بالغيب .  والغيبُ هو: كلُّ ما غاب عن العَبد، ومن الإيمان بالغيب: الإيمانُ بالله تعالى، وملائكتِه، وكُتبِه، ورُسلِه، واليومِ الآخِر . يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ.

 أي: يؤدُّون الصَّلوات بحدودِها، وفروضِها، وواجباتها، كما أمَر الله عزَّ وجلَّ . وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أي: يُخرِجُون من طيِّب ما أعطاهم ربُّهم من الأموال . والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4). والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ.

 أي: إنَّ من صِفات المتقين أيضًا، أنَّهم يؤمنون بالقرآن الذي أُنزل إلى محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ويُؤمنون أيضًا بجميع الكتُب السماويَّة السابقة، من قَبل بَعثةِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ . كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء: 136]. وقال سبحانه أيضًا: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [العنكبوت: 46]. وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.

 أي يؤمنون إيمانًا لايتطرَّق إليه شكٌّ بالبعث والنُّشور، والثواب والعِقاب، والحِساب والميزان، وغير ذلك ممَّا أعدَّ الله تعالى لخلْقِه يومَ القِيامة . أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5). أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ. 

أي: إنَّ المتَّصفين بجميعِ ما تقدَّم ذِكرُه من صِفات المتقين، على نورٍ وبُرهانٍ وبصيرةٍ من ربِّهم سبحانه . وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. 

أي: وهم أيضًا فائزونَ بإدراك ما طلَبوا، وبالنَّجاة ممَّا منه هرَبوا .

الفَوائِد التربويَّة:

1- أنَّ التقوى في القلْب هي التي تؤهِّل العبدَ للانتفاع بهذا الكتاب؛ فكلُّ مَن كان أتقى لله تعالى، كان أقوى اهتداءً بالقرآن الكريم؛ لأنَّ الهدى عُلِّق بوصفٍ في قوله تعالى: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2]، والحُكم إذا عُلِّق بوصف، كانتْ قوة الحُكم بحسَب ذلك الوصفِ المعلَّق عليه .

 

2- في قوله تعالى: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4]، دلالةٌ على أهميَّة الإيمان بالآخِرة؛ لأنَّ الإيمان بها يستلزم الاستعدادَ لها بالأعمال الصَّالحات، وترْك المحرَّمات .

الفوائد العلميَّة واللَّطائف:

1- بيان علوِّ القرآن؛ لقوله تعالى: ذَلِكَ؛ فالإشارة بالبُعد تُفيد علوَّ مرتبته؛ وإذا كان القرآن عاليَ المكانة والمنزلة، فلا بدَّ أن يعود ذلك على المتمسِّك به بالعلوِّ والرِّفعة؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: 33]؛ وكذلك ما وُصِف به القُرآنُ كالكرَم، والعظَمة، فإن للمشتغل به نصيبًا من ذلك .

 2- نفي الرَّيْب عن القرآن في قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 2]، يدلُّ على ثبوت كمال ضدِّه، فهو يُورث كمال اليقين؛ لما يتضمَّنه من الحجج والبراهين والدَّلائل التي لا تترك في الحقَّ لبسًا. والنفي الوارد في باب صفات الله تعالى، أو الملائكة، أو النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، أو القرآن، يدل على ثبوت كمال ضدِّه .

 3- في قوله تعالى: ذَلِكَ الكِتَابُ إشارةٌ إلى ما سيؤول إليه أمر القرآن من كونه مكتوبًا ومجموعًا في كتابٍ واحد .

  4- قال تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، ولم يقُل: يفعلون الصَّلاة، أو يأتون بالصَّلاة؛ لأنَّه لا يكفي فيها مجرَّدُ الإتيان بصورتها الظاهرة؛ فإقامة الصَّلاة، إقامتها ظاهرًا بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها، وإقامتها باطنًا بإقامة رُوحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبُّر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصَّلاة هي التي قال الله فيها: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وهي التي يترتَّب عليها الثوابُ .

 5- كثيرًا ما يجمع الله تعالى بين الصَّلاة والزَّكاة في القرآن؛ وذلك لأسباب، منها: أنَّ الصَّلاة متضمِّنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنَّفقة متضمِّنة للإحسان إلى عَبيدِه ، وسعادةُ العبدِ دائرةٌ بينَ الأمرَيْن، كما أنَّ الصلاةَ رأسُ العباداتِ البدنيةِ، والزكاةَ رأسُ العباداتِ الماليةِ، والعباداتُ راجعةٌ إلى هذين.

  6- في الإتيان بـمِن التي هي للتبعيض في قوله: مِـمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ إيماءٌ إلى كون الإنفاق المطلوب شرعًا، هو إنفاقُ بعض المال؛ لأنَّ الشريعة لم تُكلِّف الناس حرجًا، وهذا البعض يقلُّ ويتوفَّر بحسب أحوال المنفقين .

 7- في قوله سبحانه: رَزَقْنَاهُمْ إشارة إلى أنَّ هذه الأموال التي بين أيديكم، ليست حاصلةً بقوَّتكم وملككم، وإنَّما هي رِزق الله الذي خوَّلكم، وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضَّلكم على كثيرٍ من عباده، فاشكروه بإخراج بعضِ ما أنعم به عليكم، وواسوا إخوانَكم المعدَمين .

 8- في قوله تعالى: مِـمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ دلالةٌ على أنَّ الإنفاقَ من غير الزَّكاة لا يتقدَّر بشيءٍ معيَّن؛ لإطلاق الآية، سواء كانت «مِن» للتبعيض؛ أو للبيان .

 9- في قوله تعالى: مِـمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، لم يذكر المعمولَ (المنفَق ذاته، والمنفَق عليهم)؛ لكثرة أسبابِه، وتنوُّع أهلِه .

 10- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة: 4]، بدأ بالقرآن مع أنَّه آخِر الكتُب السماوية زمنًا؛ لأنَّه مهيمنٌ على الكتُب السابقة، وناسخٌ لها .

 11- في قوله تعالى: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4]، نصَّ جلَّ وعلا على الإيقان بالآخِرة مع دخولِه في الإيمان بالغيب لأهميَّته؛ لأنَّ الإيمان بها يُحمل على فِعل المأمور، وترْك المحظور .

 12- في قوله تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5]، دلالةٌ على أنَّ الفلاحَ مرتَّبٌ على الاتِّصاف بما ذُكر؛ فإنِ اختلَّت صفةٌ منها، نقَص من الفلاح بقدْر ما اختلَّ من تلك الصِّفات؛ وذلك لأنَّ الحكمَ المعلَّق على وصفٍ، يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فالصحيح من قول أهل السُّنة والجماعة، والذي دلَّ عليه العقلُ والنقل، أنَّ الإيمان يَزيد، وينقص، ويتجزَّأ؛ ولولا ذلك ما كان في الجناتِ درجاتٌ .

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد