تفسير الآيات [34-39] من سورة البقرة

تفسير الآيات [34-39] من سورة البقرة
237 0

الوصف

[ تفسير سورة البقرة الآيتان 34,36 ]

﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ٣٤

[تکریم آدم بسجود الملائكة له ]

وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم، إمتن بها على ذريته حيث أخبر أنه

تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، وقد دل على ذلك أحاديث أيضا كثيرة، منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسی علیه السلام: «رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنه، فلما اجتمع به قال: أنت آدم الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملا ئكته ".(۱)

 

[كانت الطاعة لله والسجدة لآدم ]

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم ، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته (2). وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام، كما قال تعالى:

﴿وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ [يوسف: ۱۰۰] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا، قال معاذ: قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم، فأنت یا

رسول الله أحق أن يسجد لك، فقال: " لا، لوكنت آمرا بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " (3)، ورجحه الرازي.

 

[إستكبار إبليس]

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاء من الكرامة، وقال: أنا ناري، وهذا

طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، إستكبر عدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام(4). قلت: وقد ثبت في الصحيح الا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر (5). وقد كان في إبليس من الكبر - والكفر - والعناد ما اقتضى طرد وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس

﴿وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ٣٥ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ٣٦

 

[ تكريم آخر لإدم ]

يقول الله تعالى إخباراً عما أكرم به آدم بعد أن أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس، إنه أباح له الجنه يسكن منها حيث يشاء، ويأكل منها ما شاء رغدا، أي : هنيئا ًواسعا طيبا : وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه عن أبي ذر

، قال : قلت یا رسول الله، أرأيت آدم أنبياً كان؟ قال: " نعم نبیاً رسولا كلمه الله قبلاً" - يعني عياناً - فقال : ﴿ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ (6).

 

[خلقت حواء قبل دخول آدم الجنة ]

وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة، وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق حيث قال : لما فرغ الله من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها فقال: ﴿يَٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ إلى قوله : ﴿إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ [۳۲، ۳۳] قال : ثم ألقيت السنه على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة ،


المراجع

  1.  (1) أبو داود:5/28     (2) الطبري: 1/512   (3) الترمذي : 1159 والمجمع:310/4(4) ابن ابی حاتم: ۱/ ۱۲۳  (5) مسلم 1/93   (6) العظمة: 5/1553

[ تفسير سورة البقرة الآيات: 36 ]

وغيرهم من أهل العلم عن ابن عباس وغيره: ".. ثم آخذ ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحماً، وادم نائم لم يهب من نوه، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها ، فلما كشف عنه السنه وهب من نومه رآها إلى جنبه فقال: - فيما يزعمون والله أعلم - : " لحمي ودمي وزوجتي "،  فسكن إليها ، فلما زوجه الله وجعل له سكنا من نفسه، قال له :﴿ وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ٣٥  (1)

 

[ إختبار آدم بالشجرة ونوعها ]

وأما قوله : ﴿وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ (35) فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم، وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي؟ قال الإمام أبو جعفربن جرير رحمه الله :

والصواب في ذلك أن يقال: إن الله - عز وجل ثناؤه - نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة، وقد قيل : كانت شجرة البر، وقيل : كانت شجرة العنب، وقيل : كانت شجرة التين، وجار أن تكون واحدة منها، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به، والله أعلم(2).

وقوله تعالى : ﴿فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا يصح أن يكون الضمير في قوله (عنها) عائدا إلى الجنة فيكون معنى الكلام كما قرأ عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود

﴿فَأَزَلَّهُمَا أي : فنحاهما(۳). ويصح أن يكون عائدا على أقرب المذكورين وهو الشجرة، فيكون معنى الكلام كما قال الحسن وقتادة: ﴿فَأَزَلَّهُمَا : أي من قبل الزلل (4) على هذا يمحو تقدير الكلام وقالها ﴿فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا ، كما قال تعالى:

﴿ يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ٩ [الذاريات : 9) أي يصرف بسببه من هو مأفوك، ولهذا قال تعالى﴿ فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ أي من اللباس والمنزل الحب والرزق الهنيء

 

﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٣٨  وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ َبئايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُون ٣٩  يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠  وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ َبئايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١ وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ ۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤ وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ٤٥ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ٤٦ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧   وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡئا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨

 

والراحة ﴿وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ٣ أي قرار وأرزاق وآجال - إلى حين - أي إلى وقت ومقدار معين، ثم تقوم القيامة.

 

 

[ بعض صفات آدم عليه السلام ]

وروى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم رجلا طوالا ، كثیر شعر الرأس، کأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة ، فأخذ شعره شجرة، فنازعها، فناداه الرحمن قال: یا آدم مني تفر؟! فلما سمع كلام الرحمن قال : يا رب لا، ولكن استحياء(5).

                    

المراجع

  1. (1) الطبري:514/1 (۲) الطبري: ۱/ ۵۲۰(۳) ابن أبي حاتم: ۱/ ۱۲۸ (4) أبن أبي حاتم: ۱۲۸/۱ ،۱۲۹(۵) ان أبي حاتم:۱۲۹/۱ 
 

 

[ لبث آدم في الجنة وهبوطه منها ]

وروى الحاكم عن ابن عباس، قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(1).

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها "دحنا" بين مكة والطائف (۲).

وروى مسلم والنسائي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها (3).

وأجاب الجمهور بأجوبة، أحدها : أنه منع من دخول الجنة مكرما، فأما على وجه السرقة والإهانة، فلا يمتنع، ولهذا قال بعضهم - كما جاء في التوراة - : أنه دخل في

فم الحية إلى الجنة. وقد قال بعضهم: يحتمل أنه وسوس لهما وهو خارج باب الجنة. وقال بعضهم: يخيل أنه ووس لهما وهو في الأرض، وهما في السماء، ذكرها الذمخشري وغيره.

 

[ تفسير سورة البقرة، الآيتان: ۳۷، ۳۹ ]

﴿فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ٣٧

[توبة آدم ودعاؤه]

 قيل: إن هذه الكلمات مفسره بقوله تعالى : ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٢٣ [الأعراف:| ۲۳] وروي هذا عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والربيع بن أنس، والحسن وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبير الرحمن بن زید بن أسلم). وقال السدي عمن حدثه عن ابن عباس ﴿فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ قال: قال آدم عليه السلام: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، ونفخت في ين روحك؟ قيل له: بلى، وعطس قلت: يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك ؟ قيل له: بلى، وكتبت على أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى، قال: أرأي إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم (6). وهكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير وسعيد بن معبد عن ابن عباس بنحوه (7) . ورواه الحاكم في مستدركه من حديث ابن جبير عن ابن عباس، وقال:

صحيح الاسناد ولم يخرجاه (8).

وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ أي إنه يتوب على من تاب إليه وأناب، قوله : ﴿أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ [التوبة: 104] وقوله : ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ... الآية [النساء: ۱۱۰]، وقوله : ﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالحاً [الفرقان: ۷] وغير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى يغفر الذنوب، ويتوب على من يتوب. وهذا من لطفه بخلقه ورحمته بعبيده، لا إله إلا هو التواب الرحيم

 

﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٣٨ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ٣٩

 يقول تعالى مخبرا عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية: إنه سينزل الكتب ويبعث الأنبياء والرسل كما قال أبو العالية : الهدى: الأنبياء والرسل؛ والبينات والبيان(9) ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ أي من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل ﴿فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ أي فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ﴿وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٣٨ على ما فاتهم من أمور الدنيا، | كما قال في سورة طه: ﴿قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ١٢٣ [طه: ۱۲۳) قال ابن عباس : فلا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة(۱۰) ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ١٢٤

[ طه:124 ] كما قال ههنا : ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ٣٩ أي مخلدون فيها لا محید لهم عنها ولا محيص.



المراجع

  1. (1) الحاكم: 2/542 (۲) ابن أبي حاتم:۱۳۱/۱إسناده ضعیف سماع جرير عن عطاء بعد الاختلاط (۳) ابن أبي حاتم : ۱۳۲/۱إسناده ضعيف لأجل عباد بن ميسرة وهو لين الحديث وصدقة بن عمرو الغساني مجهول (4) مسلم: ۲/ ۵۸۵ والنسائي: ۳/ ۹۰ (5) ابن أبي حاتم: 1/136والطبري:543/1و546 (6) الطبري : 1/ 543 (۷) الطبري: 1/542 (۸) الحاكم: 2/545(۹) ابن أبي حاتم: ۱/ ۱۳۹ (۱۰) الطبری:۳۸۹/۱۸ 

 

[ الفَوائِد التربويَّة ]

 1- أنَّ الله تعالى قد يَمتحن العبدَ، فينهاه عن شيءٍ قد تتعلَّق به نفسُه؛ ابتلاءً واختبارا؛ كما قال تعالى: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجْرَةَ .

 2- أنَّ معصية الله تعالى ظلمٌ للنَّفس، وعدوانٌ عليها؛ لقوله تعالى: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فوضع الأكل في غير ما يحلُّ ظلم.

 3- الحذَر من وقوع الزَّلل الذي يُمليه الشَّيطان؛ لقوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ؛ فالشيطان يَغرُّ بني آدَمَ كما غرَّ أباهم حين وسوس لآدَمَ وحواء، وقاسمَهُما إنِّي لكما لمن الناصِحين .

 4- إضافة الفِعل إلى المتسبِّب فيه؛ لقوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ .

5- أنَّه لا دوامَ لبَني آدَم في الدُّنيا؛ لقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ؛ وعليه فيَنبغي للمؤمن الزُّهدُ فيها، وعدمُ الاغترار بها.

 6- أنَّ الإنسانَ إذا صدَق في تفويض الأمر إلى الله، ورجوعِه إلى طاعة الله، فإنَّ الله تعالى يتوبُ عليه .

 7- أنَّ آدَمَ عليه السَّلام لم يَستغنِ عن التوبة، مع علوِّ شأنه، فالواحد منَّا أَوْلى بذلك .

8- أنَّ مَن اتَّبع هُدى الله، فإنَّه آمِنٌ من بين يديه، ومِن خلفه؛ لقوله تعالى: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

9- أنَّه لا يُتعبَّد للهِ إلَّا بما شرع؛ لقوله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

 

[ الفوائد العلميَّة واللَّطائف ]

 1- قال الله تعالى عن نفْسه: قُلْنا ولم يقل: (قلت)؛ لأنَّ الجبَّار العظيم يُخبِر عن نفسه بفِعل الجماعة؛ تفخيمًا وإشادةً بذِكره .

 2- فضلُ آدَمَ على الملائِكة؛ لأنَّ اللهَ أمَر الملائكةَ أن يسجُدوا له .

 3- تركُ المأمورِ أشدُّ مِن فعلِ المحظورِ؛ فذنبُ آدم عليه السلام كان بفعلِ المحظورِ، فكان عاقبتُه أن اجتباه ربُّه، فتابَ عليه وهدَى، وذنبُ إبليسَ كان بتركِ المأمور فكان عاقبتُه ما ذكَر اللهُ سبحانه تعالى .

 4- أنَّ الجنَّةَ في مكان عالٍ؛ لقوله تعالى: اهْبِطُوا؛ والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل . 5- أنَّه لا يمكن لبَني آدَم العيش إلَّا في الأرض؛ لقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ .

 6- مِنَّة الله سبحانه وتعالى على أبينا آدَمَ، ومِنَّة الله على أبينا هي منَّةٌ علينا في الحقيقة؛ لأن النِّعمة الواصلة إلى الآباء تَلحَق الأبناء .

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد