تفسير الآيات [40-46] من سورة البقرة

تفسير الآيات [40-46] من سورة البقرة
208 0

الوصف

[تفسير سورة البقرة ، الآيتان: 40، 41]

﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ٤٠ وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ٤١

 

[حض بني إسرائيل على الدخول في الإسلام]

 يقول تعالى آمراً بني إسرائيل بالدخول في الإسلام، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام، ومهيجا لهم بذكر أبيهم إسرائيل وهو نبي الله يعقوب عليه السلام، وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله، كونوا مثل أبیكم في متابعة الحق، كما تقول: يا ابن الكريم إفعل كذا، يا ابن الشجاع بارز الأبطال، يا ابن العالم أطلب العلم، ونحو ذلك .

ومن ذلك أيضا قوله تعالى :

﴿ ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا٣[الإسراء: 3]

 

[ إسرائيل لقب يعقوب عليه السلام]

 فإسرائيل هو يعقوب بدلیل ما رواه أبو داود الطيالسي، عن عبد الله بن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صل الله عيه وسلم ، فقال لهم: هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب؟ قالوا: اللهم نعم، فقال النبي صل الله عليه وسلم: اللهم اشهد (1) وروى الطبري عن عبد الله بن عباسي: أن إسرائيل كقولك : عبد الله (2).

(نعم الله على اليهود)

وقوله تعالى :﴿ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ قال مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى، وفيما  سوى ذلك أن فجر لهم الحجر، وأنزل عليهم المن والسلوى، ونجاهم من عبودية آل فرعون(۳). وقال أبو العالية : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب (4). قلت: وهذا كقول موسى عليه السلام لهم:﴿ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٠ ﴾ [المائدة: ۲۰] يعني في زمانهم، وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم من فرعون وقومه(5).

 

[تذكير اليهود بعهد الله إليهما ]

﴿ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡقال: بعهدي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صل الله عليه وسلم إذا جاءكم، أنجز لكم ما وعدتكم عليه من تصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الآصار والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من إحدائكم(6). وقال الحسن البصري (۷) : هو قوله تعالى : ﴿۞وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ١٢ ... الآية [المائدة: ۱۲]

وقوله تعالى:﴿ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ أي فاخشون (8). قاله أبو العالية والسدي والربيع بن أنس وقتادة، وقال ابن عباس في قوله تعالى:﴿ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ أي أن نزل بم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره (9). وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة، لعلهم يرجعون إلى الحق، واتباع الرسول صل الله عليه وسلم ، والاتعاظ بالقرآن

المراجع

  1. (1) أبو داود الطيالسي : 356 (۲) الطبري: 1/553 (3) الطبري: 1/ 556 (4) الطبري: 1/ 556(5) إسناده ضعيف لتدليس ابن إسحاق وجهالة شيخه محمد بن أبي محمد كما تقدم (6) الطبري : 1/ 555 و558 ضعیف محمد بن أبي محمد الأنصاري مولی زید بن ثابت مجهول ومحمد بن إسحاق صدوق مدلس ولم يصرح، سلمة بن الفضل ومحمد بن حسن ضعيفان. (۷) الطبري:۱۰۹/۱ (8) الطبري: ۱/ 560 (9) ابن أبي حاتم : 1/ 144

 

 

[ تفسير سورة البقرة، الآية : 42، 43 ]

 وزواجره، وامتثال أوامره، وتصديق أخباره، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ولهذا قال: ﴿وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ يعني به القرآن الذي أنزل على محمد صل الله عليه وسلم النبي الأمي العربي، بشيرا ونذيرا، وسراجا منیرا، مشتملا على الحق من الله تعالى، مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، قال أبو العالية رحمه الله في قوله تعالى: ﴿وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلۡتُ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَكُمۡ يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم، يقول: أنهم يجدون محمدا صل الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك (۱). وقوله : ﴿وَلَا تَكُونُوٓاْ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ قال ابن عباس: ولا تكونوا أول كافر به وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غیركم(۲). قال أبو العالية : يقول: ولا تكونوا أول من كفر بمحمد صل الله عليه وسلم(3) ، يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعكم بمبعثه . وكذا قال الحسن والسدي والربيع بن أنس (4). واختار ابن جرير أن الضمير في قوله «به» عائد على القران الذي تقدم ذكره في قوله : ﴿بِمَآ أَنزَلۡتُ

وكلا القولين صحيح لأنهما متلازمان، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صل الله عليه وسلم، ومن كفر بمحمد صل الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن، وأما قوله :﴿ أَوَّلَ كَافِرِۢ بِهِۦۖ تعني به أول من كفر به من بني إسرائيل، لأنه قد تقدمهم من كفار قریش وغيرهم من العرب بشر كثير، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآیاتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها، فإنها قليلة فانية، وقوله : ﴿وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ روی ابن أبي حاتم عن طلق بن حبيب، قال : القوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله (5). ومعنى قوله : ﴿وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه ومخالفتهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه

﴿وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣

 

[ النهي عن لبس الحق وكتمانه ]

يقول تعالى ناهيا لليهود عما كانوا يتعمدونه من تلبيس الحق بالباطل، وتمويهه به، وكتمانهم الحق، وإظهارهم الباطل: ﴿وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ فنهاهم عن الشيئين معا، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به، ولهذا قال الضحاك عن ابن عباس: ﴿وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ لا تخلطوا الحق بالباطل، والصدق بالكذب)، وقال قتادة : ﴿وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ ولا تلبسوا اليهودية والضرانية بالاسلام ﴿وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله (۷). وروي عن الحسن البصري نحو ذلك (8).

وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس :﴿ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٤٢ أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأیدیكم(9)

﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ قال مقاتل : قوله تعالى لأهل الكتاب ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ أمرهم أن يصلوا مع النبي صل الله عليه وسلم ﴿وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ أمرهم أن يؤتوا الزكاة أي يدفعونها إلى النبي صل الله عليه وسلم ﴿وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صل الله عليه وسلم ، يقول : كونوا معهم ومنهم (۱۰). وقوله تعالى :

﴿وَٱرۡكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ٤٣ أي وكونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم، ومن أخص ذلك وأكمله الصلاه، وقد استدل كثير من



المراجع

  1. (۱) ابن أبي حاتم:1/145  (۲) ابن أبي حاتم: 1/145(۳) ابن أبي حاتم: 1/ 145 (4) ابن أبي حاتم: 1/ 145(5) ابن أبي حاتم:147/1 (6) الطبري: 1/569إسناده ضعيف الضحاك لم يسمع من ابن عباس (۷) ابن أبي حاتم:147/1 (۸) ابن أبي حاتم: 1/147 (۹) ابن أبي حاتم:148/۱ إسناده ضعيف التدليس ابن إسحاق كما تقدم(۱۰) الكشاف: ۱/ ۱۳۳ 

[تفسير سورة البقرة الآيات: 44:46 ]

 العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة ﴿۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤

 

[التوبيخ على ترك الطاعات لمن يأمر الناس بالمعروف]

يقول تعالى : كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب، وأنتم تأمرون الناس بالبر وهو جماع الخير : أن تنسوا أنفسكم فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله؟ ﴿أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤ ما أنتم صانعون بأنفسكم فتنتبهوا من قدتكم، وتتبصروا من عمایتكم، وهذا ما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى : ﴿۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر، ويخالفون، فعيرهم الله عز وجل(1). وكذلك قال السدي وقال ابن جریح : ﴿۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ أهل الكتاب والمنافقوت كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس، فعيرهم الله بذلك، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة(۲). وروى محمد بن  إسحاق عن ابن عباس : ﴿وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ أي تتركون أنفسكم

﴿وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٤٤ أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة ، وتتركون أنفسكم ، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي(3).

والغرض: أن الله تعالی ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، [بل على تركهم له] فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب عليه السلام:

﴿قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ٨٨ [هود: ۸۸] فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف .

﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ٤٥ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ٤٦

 

[الاستعانة بالصبر والصلاۃ]

يقول تعالی آمرا عبيده فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة بالاستعانة بالصبر والصلاة، كما قال مقاتل بن

حيان في تفسير هذه الآية: إستعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة، فأما الصبر فقيل : إنه الصيام (7) . نص عليه مجاهد

قال القرطبي وغيره: ولهذا يسمي رمضان شهر الصبر (8). كما نطق به الحديث (۹). وقيل : المراد بالصبر


المراجع

  1. (1) عبد الرزاق:44/1 (۲) الطبري:۸/۲(۳) الطبري: ۲/ ۷ (4) أحمد:205/5(5) فتح الباري : 6/ 381 ومسلم: 4/ 2291 (6) القرطبي:367/1(۷) ابن أبي حاتم: 1/ 154 إسناده ضعيف فيه عمران بن خالد ضعيف الحديث (۸) القرطبي : ۳۷۲/۱ (۹) إسناده ضعيف فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف

 

 

[ الفَوائِد التربويَّة:]

 1- أنَّ تذكيرَ العبد بنِعمة الله عليه أدْعَى لقَبوله الحقِّ، وأقومُ للحُجَّة عليه؛ لقوله تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ .

 2- وجوب إخلاص عِبادة الرَّهبة لله عزَّ وجلَّ؛ لقوله تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ . 3- أنَّ جميع ما في الدُّنيا قليل ، كما قال تعالى:﴿ وَلَا تَشۡتَرُواْ بَِٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗا [البقرة: 41]، فينبغي الزهدُ فيها، وإيثار ما عند الله تعالى؛ فهو خيرٌ وأبقى. 4- وجوب تقوى الله عزَّ وجلَّ، وإفراده بها؛ لقوله تعالى: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ .

 5- مَن لَبَس الحقَّ بالباطِل، فلم يميِّز هذا من هذا، مع عِلمه بذلك، وكتَم الحقَّ الذي يَعلمه وأُمِر بإظهاره، فهو من دُعاةِ جهنمَ، والعياذ بالله تعالى .

6- وجوب بيانِ الحقِّ، وتمييزِه عن الباطِل، فيُقال: هذا حقٌّ، وهذا باطلٌ؛ لقوله تعالى: وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ .

 7- مَن أمَر غيرَه بالخير ولم يفعلْه، أو نهاه عن الشرِّ فلم يَتركْه، دلَّ على جهله وعدم عقلِه، خصوصًا إذا كان عالِمًا بذلك .

8- ليس في قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، أنَّ الإنسان إذا لم يقُمْ بما أُمِر به أنَّه يَترُك الأمرَ بالمعروف، والنهيَ عن المنكر؛ لأنَّها دلَّت على التوبيخ بالنِّسبة إلى الواجبين، وإلَّا فمِن المعلوم أنَّ على الإنسان واجبَينِ: أمْر غيرِه ونهيه، وأمْر نفْسِه ونهيها، فترْك أحدهما، لا يكون رُخصةً في ترْك الآخَر؛ فإنَّ الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنَّقص الكامل أن يتركهما، وأمَّا قيامه بأحدهما دون الآخَر، فليس في رُتبة الأوَّل، وهو دون الأخير، وأيضًا فإنَّ النفوس مجبولةٌ على عدم الانقياد لمن يُخالِف قولُه فِعْلَه، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغُ من اقتدائهم بالأقوال المجرَّدة .  9- أمرُ اللهِ بالاستعانة بالصَّبر يَشمَل جميعَ أنواعه، وهو: الصَّبر على طاعة الله حتى يُؤدِّيَها، والصَّبر عن معصية الله حتى يترُكَها، والصَّبر على أقدار الله المؤلِمة فلا يتسخَّطها .

10- قوله سبحانه: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ فيه الحث على الصلاة في جماعة . 11- أنَّ خشوع العبد لله، ممَّا يُسهِّل عليه العبادةَ، فكلما كان لله أخشع كان له أطوع، كما قال تعالى: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45] .

12- أنَّ المؤمنين يُوقِنون أنَّهم راجِعون إلى الله تعالى، وهذا يستلزم أمورًا: أولًا: الخوف من الله؛ لأنَّهم ما داموا يعلمون أنَّهم راجعون إلى الله تعالى، فسوف يخافون منه، والخوفُ في القلب؛ يعني: أنهم إذا علِموا أنَّهم سيرجعون إلى الله، فسوف يَخشَونَه في السِّرِّ والعلانية. ثانيًا: مراقبة الله عزَّ وجلَّ. ثالثًا: الحياء منه؛ فلا يَفقِدك حيث أمَرَك، ولا يَجِدك حيث نهاك .

 

[الفوائد العلميَّة واللَّطائف:]

 1- أنَّ الله تعالى يوجِّه الخطاب للمخاطَب؛ إمَّا لكونه أوعى من غيرِه، وإمَّا لكونه أَوْلى أن يَمتثِل، وهنا وجَّهه لبني إسرائيل؛ لأنَّهم أَوْلى أن يمتثلوا؛ لأنَّ عندهم من العِلم برسالة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وأنَّها حقٌّ- ما ليس عند غيرِهم .

 2- في قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ:  دلالةٌ على أنَّ الصَّلاة واجبةٌ على الأمم السابقة، وأنَّ فيها ركوعًا، كما أنَّ في الصَّلاة التي في شريعتنا رُكوعًا .

 3- أنَّ الأمم السابقة كانت عليهم زَكاة، قال تعالى: مخاطبًا بني إسرائيل: وَآتُوا الزَّكَاةَ .

 4- جواز التعبير عن الكلِّ بالبعض إذا كان هذا البعضُ من مباني الكلِّ التي لا يتمُّ إلَّا بها؛ لقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ .

 5- توبيخ بني إسرائيل، وأنَّهم جهلةٌ حمْقى ذَوُو غيٍّ؛ لقوله تعالى: أَفَلَا تَعْقِلُونَ .

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد