مقدمة التفسير المأثور
الوصف
[الأمر بفهم القرآن]
وقد أعلمهم فيه عن الله تعالى أنه ندبهم إلى فهمه ، فقال تعالى:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا٨٢﴾ [النساء: ۸۲] وقال تعالى: ﴿كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ٢٩ ﴾ [ص: ۲۹] وقال تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ٢٤ ﴾ [محمد: 24] .
(فالواجب) على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ١٨٧ ﴾ [آل عمران: ۱۸۷] وقال تعالی: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ٧٧﴾ [آل عمران: ۷۷] فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله المنزل إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها ، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله.
فعليا أيها المسلمون أن ننتهي عما ذمهم الله تعالی به، وأن نأتمر بما أمرنا به من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهیمه،
قال تعالى: ﴿۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ١٦ ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ١٧ ﴾ [الحديد:16,17]
ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا هذا، إنه جواد كریم
[أصول التفسير]
فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير؟
(فالجواب) : أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقران وموضحة له، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِتَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُۚ وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا١٠٥ ﴾
[النساء: ۱۰۵] وقال تعالى: ﴿ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ٦٤ ﴾ [النحل: 64] وقال تعالى:
﴿بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ٤٤﴾ [النحل 44]
ولهذا قال رسول الله صل الله عليه وسلم
: «ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه» یعنی السنة. والسنة أيضا تنزل عليه بالوحی كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلی كما يتلى القرآن.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده في السنة. وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدری بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم. روى الإمام أبو جعفر بن جرير عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت . ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.
وهم الحبر البحر عبد الله بن عباسي ابن عم رسول الله صل الله عليه وسلم وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صل الله عليه وسلم ، حيث قال: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»
[مكانة تفسير التابعين ]
(فضل) إذا لم تجد التفسير في القرآن، ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر، فإنه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن إسحاق : حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها وروى ابن جرير عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس : أكتب حتى سأله عن التفسير كله . ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاء التفسير عن مجاهد فحسبك به .
وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري، ومشروق بن الأجدع وسعید بن المسيب وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم، ومن بعدهم، فتذكر أقوالهم في الآية ، فيقع في عباراتهم تباین في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا، فيحكيها أقوالا ، وليس ذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه ، والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن، فليتفطن اللبيب لذلك، والله الهادي.
[التفسير بالرأي ]
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، لما رواه محمد ابن جریر رحمه الله تعالى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار، وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن .
[السكوت عن تفسير غير المعلوم]
ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى ابن جرير عن أبي معمر قال: قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني ، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم .
[وجوه التفسير]
قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار : حدثنا مؤمل:حد ثنا سفيان عن أبي الزناد. قال : قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله .
[السور المكية والمدنية]
روی همام عن قتادة قال: نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران، والنساء، والمائدة وبراءة، والرعد، والنحل والحج والثور والأحزاب، ومحمد والفتح والأحزاب ، والرحمن والحديد والمجادلة، والحشر والممتحنة والصف، والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق و ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ﴾ إلى رأس العشر، ﴿ إِذَا زُلۡزِلَتِ ﴾ و ﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ ﴾ هؤلاء السور نزلت بالمدينة وسائر السور بمكة.
[عدد آيات القرآن الكريم]
فأما عدد آيات القرآن العظيم فستة آلاف آية، ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال: فمنهم من لم يزد على ذلك، ومنهم من قال: ومائتا آیة وأربع آيات، وقيل : وأربع عشرة آية . وقيل : ومائتان وتسع عشرة آية، وقيل : ومائتان وخمس وعشرون آية، أو ست وعشرون آية، وقيل: ومائتان وست وثلاثون، حکی ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان.
[عدد كلماته وحروفه]
وأما كلماته فقال الفضل بن شاذان عن عطاء بن يسار : سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة.
وأما حروفه، فقال عبد الله بن كثير عن مجاهد : هذا ما أحصيناه من القرآن، وهو ثلاثمائة ألف حرف، وأحد وعشرون ألف حرف، ومائة وثمانون حرفا وقال الفضل عن عطاء بن يسار: ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون .