تفسير الآيات [47-57] من سورة البقرة

تفسير الآيات [47-57] من سورة البقرة
209 0

الوصف

﴿يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧

 

[ تذكير بني إسرائيل بتفضيلهم علي الأمم ]

يذكرهم تعالي بسالف نعمه إلي آبائهم وأسلافهم ، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم ، وإنزال الكتب عليهم ، علي سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالي ﴿وَلَقَدِ ٱخۡتَرۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ عِلۡمٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٣٢﴾[ الدخان : 32 ]

وقال تعالي ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٠﴾ [ المائدة : 20 ] قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالي :

﴿وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٤٧﴾ قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب علي عالم من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالماً (1).

وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك (2)

 

[أمة محمد صل الله عليه وسلم أفضل من بني إسرائيل]

ويجب الحمل علي هذا ، لأن هذه الأمة أفضل منهم ، لقوله تعالي خطاباً لهذه الأمة : ﴿ كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ١١٠﴾ [آل عمران : 110]

وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشري ، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها علي الله " (3)

والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالي : ﴿ [آل عمران : 110]


 
  • الطبري 2/24
  • ابن ابي حاتم 1/158
  • أحمد 4/447 و 5/3 وتحفة الأحوذي : 8/352 وابن ماجة 2/1433

 

 

﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨

 

لما ذكرهم تعالي بنعمه أولا ، عطف علي ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة فقال ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا﴾ يعني يوم القيامة﴿ لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيئا ﴾  أي لا يغني أحد عن أحد كما قال : ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ﴾ [ الإسراء :15 الأنعام :164 ]

 

 

[لا يقبل من الكفار شفاعة ولا فداء ، ولا ينصرون ]

وقوله تعالي :﴿ وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ﴾ يعني من الكافرين ، كما قال :

﴿ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ٤٨﴾ [المدثر : 48]وكما قال عن أهل النار

﴿ فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ١٠٠ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٖ١٠١ ﴾ فأخبر تعالي أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ، ويتابعوه علي ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة علي ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهباً ، كما قال تعالي : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٥٤﴾ وقال : ﴿ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ٣١﴾ [إبراهيم : 31]

 وقوله تعالي : ﴿ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ٤٨﴾ أي ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ، ولا يقبل منهم فداء هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠ وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ٥١ ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٢ وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ٥٣ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ٥٤ وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٥٧﴾

 

ولا من غيرهم ، كما قال : ﴿ فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ١٠﴾ أي إنه تعالي لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحداً من عذابه منقذ ، ولا يخلص منه أحد ، ولا يجبر منه أحد كما قال تعالي : ﴿ قُلۡ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ٨٨﴾ [المؤمنون : 88]وقال : ﴿ فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ٢٦﴾ [الفجر 25،26]وقال : ﴿ مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ٢٥ بَلۡ هُمُ ٱلۡيَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ٢٦﴾ [الصافات :25،26]

وقال : ﴿ فَلَوۡلَا نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرۡبَانًا ءَالِهَةَۢۖ بَلۡ ضَلُّواْ عَنۡهُمۡۚ ﴾ .... الآية [الاحقاف : 28] وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالي :﴿ مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ٢٥﴾ [الصافات :25 ]مالكم اليوم لا تمانعون منا ، هيهات ليس ذلك لكم اليوم (1).



  • الطبري 2/36 إسناده ضعيف
  • تحفة الأحوذي 6/233
  • تحفة الأحوذي 3/235
  • الطبري 2/96
  • ابن ابي حاتم 1/178
  • ابن ابي حاتم 1/179
  • ابن ابي حاتم 1/179

 

 

﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ٤٩ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠

 

[تنجية بني إسرائيل من فرعون وإغراق آل فرعون]

يقول تعالي: اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم ﴿وَإِذۡ نَجَّيۡنَٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ﴾ أي خلصتكم منهم، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسي عليه السلام ، وقد كانوا يسومونكم ، أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب ، وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأي رؤيا هالته ، رأي ناراً خرجت من بيت المقدس ، فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر ، إلا بيوت بني إسرائيل ، مضمونها أن زوال ملكه يكون علي يدي رجل من بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة ، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل ، وأن تترك البنات ، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها .

ومعني ﴿ يَسُومُونَكُمۡ﴾ يولونكم ، قاله أبو عبيدة . كما يقال سامه خطة خسف ، إذا أولاه إياها وقيل : معناه : يديمون عذابكم ، كما يقال : سائمة الغنم : من إدامتها الرعي نقله القرطبي ، وإنما قال ههنا : ﴿ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ﴾ ليكون ذلك تفسيراً للنعمة عليهم في قوله :

﴿ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ﴾ ثم فسره بهذا لقوله ههنا :﴿ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ ﴾ وأما في سورة إبراهيم فلما قال ﴿ وذكرهم بأيام الله ﴾ أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك : ﴿ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ﴾ فعطف عليه الذبح ليدل علي تعدد النعم والأيادي علي بني إسرائيل

وفرعون علم علي كل من ملك مصر كافراً من العماليق وغيرهم ، كما أن قيصر علم علي كل من ملك الروم مع الشام كافراً ، وكسري لمن ملك الفرس وتبع لمن ملك اليمن كافراً والنجاشي لمن ملك الحبشة

وقوله تعالي : ﴿ وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم﴾ قال ابن جرير : وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آبائكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم ، أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك (1) وأصل البلاء الاختبار ، وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالي : ﴿ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ ﴾ [الأنبياء : 35] وقال :﴿ وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ١٦٨﴾ [الاعراف : 168]

وقوله تعالي :﴿ وَإِذۡ فَرَقۡنَا بِكُمُ ٱلۡبَحۡرَ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٠﴾ وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون وخرجتم مع موسي عليه السلام ، خرج فرعون خرج فرعون في طلبكم ففرقنا بكم البحر ، كما اخبر تعالي عن ذلك مفصلاً كما سيأتي في مواضعه ، ومن أبسطها ما في سورة الشعراء إن شاء الله ﴿ فَأَنجَيۡنَٰكُمۡ﴾ أي خلصناكم منها ، وحجزنا بينكم وبينهم ، وأغرقناهم وأنتم تنظرون ليكون ذلك أشفي لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم .

 

[صوم يوم عاشوراء]

وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء ، كما روي الإمام أحمد عن ابن عباس ، قال قدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة فرأي اليهود يصومون ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجي الله عزوجل فيه بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسي عليه السلام ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم أنا أحق بموسي منكم فصامه رسول الله صل الله عليه وسلم وأمر بصومه (2) وروي هذا الحديث البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (3)


  • الطبري 2/48
  • أحمد 1/291
  • فتح الباري 4/287 ومسلم 2/796 والنسائي في الكبرى 2/157 وابن ماجه 1/553

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

﴿ وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ٥١ ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٢ وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ٥٣

 

[ إتخاذ بني إسرائيل العجل]

يقول تعالي : واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم ، لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسي لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة ، وكانت أربعين يوماً ، وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالي : ﴿ وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ ﴾ يعني التوراة  ﴿ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾  وكان ذلك أيضاً  بعد خروجهم من البحر ، كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف ، لقوله تعالي : ﴿ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ٤٣﴾

[القصص : 43]

﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ٥٤

 

[توبة بني إسرائيل بقتل أنفسهم]

هذه صفة توبته تعالي علي بني إسرائيل من عبادة العجل ، قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالي : وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ١٤٩﴾ [الأعراف : 149]قال : فذلك حين يقول موسي ﴿(1)

وقال أبو العالية وسعيد بن جبير والربيع بن أنس : ﴿(2) قلت : وفي قوله ههنا ﴿ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ﴾ تنبيه علي عظم جرمهم ، أي فتوبوا إلي الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره

وقد روي النسائي وابن جرير وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال : فقال الله تعالي : إن توبتهم أن يقتل كل واحد منهم من لقي من والد وولد ، فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن ، فتاب أولئك الذين كانوا خفي علي موسي وهارون ما اطلع الله من ذنوبهم ، فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا به ، فغفر الله للقاتل والمقتول (2) وروي ابن جرير عن ابن عباس قال : قال موسي لقومه ﴿(3)

﴿وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾

 

[طلب خيارهم رؤية الله وإماتتهم وإحياؤهم]

يقول تعالي : واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق إذ سألتم رؤيتي جهرة عياناً مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم ، كما قال ابن جريج عن ابن عباس في هذه الآية ﴿(5)

وزاد في رواية : أي حتي نري الله (6) وقال عروة ابن رويم في قوله : ﴿(7) ثم بعث هؤلاء ، وصعق هؤلاء .

وقال السدي : ﴿ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ﴾ فماتوا ، فقام موسي



  • ابن أبي حاتم 1/167
  • ابن ابي حاتم 1/167  ، 1/168
  • النسائي في الكبرى 6/404 و 405 والطبري 18/306 وابن ابي حاتم 1/168
  • الطبري 2/73
  • الطبري 2/81
  • ابن ابي حاتم 1/172

 

 

يبكي ويدعو الله ، ويقول : رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم ، وقد أهلكت خيارهم ﴿ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ(1)

 وقال الربيع بن أنس كان موتهم عقوبة لهم ، فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم (2) وكذا قال قتادة (3)

﴿وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡغَمَامَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٥٧

 

(تظليلهم بالغمام و إنزال المن و السلوى عليهم)

لما ذكر تعالي ما دفعه عنهم من النقم ، شرع يذكرهم أيضا بما أسبغ عليهم من النعم، فقال : (4)  وقال الحسن وقتادة (5) وقال ابن جرير : قال آخرون : وهو غمام أبرد من هذا وأطيب (6)   كما روي عن مجاهد : ليس بسحاب وفي رواية عنه : ليس من زي هذا السحاب ، بل أحسن منه وأطيب وأبهي منظراً

وقوله تعالي : ﴿(7) فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاماً وحلاوة ، وإن مزج مع الماء صار شراباً طيباً ، وإن ركب مع غيره صار نوعاً آخر .

ولكن ليس هو المراد من الآية وحده والدليل علي ذلك رواية البخاري عن سعيد بن زيد رضي الله عنه ، قال : قال النبي صل الله عليه وسلم " الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين (8) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد (9)



  • ابن ابي حاتم 1/173
  • ابن ابي حاتم 1/173
  • ابن ابي حاتم 1/173
  • ابن ابي حاتم 1/174
  • ابن ابي حاتم 1/174
  • الطباري 2/91
  • ابن ابي حاتم 1/176
  • فتح الباري 8/14
  • أحمد 1/187

 

 

وأخرجه الجماعة في كتبهم إلا أبا داود ، وقال الترمزي : حسن صحيح (1) وروي الترمزي عن أبي هريرة : قال رسول الله صل الله عليه وسلم " العجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السمن ، والكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين " (2) . تفرد لاخراجه الترمزي (3).

وأما السلوي فقال علي ابن ابي طلحة عن بن عباس : السلوي طائر يشبه بالسماني ، كانوا يأكلون منه . وروي السدي عن بن عباس وابن مسعود وعن ناس من الصحابة : السلوي طائر يشبه السماني (4).

وكذا قال مجاهد الشعبي والضحاك والحسن وعكرمة والربيع بن أنس رحمهم الله تعالي (5). وعن عكرمة : أما السلوي فطير كطير يكون بالجنة ، أكبر من العصفور أو نحو     ذلك (6) . وقال قتادة السلوي كان من طير اقرب إلي الحمرة ، تحشرها عليهم الريح الجنوب ، وكان رجل يسبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإذا تعدي فسد ولم يبقي عنده ، حتي إذا كان يوم سادسه ، ليوم جمعته ، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ، لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشئ ولا يطلبه (7) .

وقوله تعالي :﴿ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ٥٧﴾ أيى أمرناهم بالأكل مما رزقناهم ، وأن يعبدوا ، كما قال : ﴿ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ ﴾ [سبأ : 15] فخلافوا وكفروا ، فظلموا أنفسهم هذا ما شاهدوه من الآيات البينات ، والمعجزات القاطعات ، وخوارق العادات .

" فضيلة صحابة محمد صل الله عليه وسلم علي سائر الأنبياء "

ومن ههنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صل الله عليه وسلم رضي الله عنهم علي سائر أصحاب الأنبياء ، في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، مع من كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسأله خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع أن ذلك كان سهلاً علي النبي صل الله عليه وسلم ، لكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم ، فجمعوا ما معهم ، فجاء قدر مبرك الشاة فدعا الله فيه ، وأمرهم فملؤوا كل وعاء معهم وكذا لما احتاجوا إلي الماء سأل الله تعالي ، فجائتهم ﴿ وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥٨ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ٥٩ ۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠ وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِئايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِين بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٦١  ﴾

سحابة فأمطرتهم ،فشربوا وسقوا الأبل وملؤوا أسقياتهم ، ثم نظروا فإذا هي لم تتجاوز العسكر .

فهذا هو الأكمل في إتباع الشئ . مع قدر الله ، ومع متابعة الرسول صل الله عليه وسلم

 

(1)فتح الباري 4/14 ومسلم 3/1619 وتحفة الأحوذي 6/235

والنسائي ف الكبرى 4/370 وابن ماجه 2/1143

 

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد