تفسير الآيات من [58] إلي الآية [61] من سورة البقرة

تفسير الآيات من [58] إلي الآية [61] من سورة البقرة
213 0

الوصف

  • تفسير الآيات:

﴿وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ٥٨ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا.

أي: واذكُروا حين أمَرْنَا بني إسرائيل بالدُّخول لبيت المقدِس، وأن يأكُلوا منها من أيِّ مكان فيها رِزقًا واسعًا هنيئًا . وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ. أي: إنَّهم أُمروا أن يَخضعوا له سبحانه بالفِعل والقول عند دُخولِهم أحدَ أبواب بيت المقدس، بأنْ يدخُلوا رُكَّعًا متواضعين، وأن يَطلُبوا من الله تعالى أن يضَعَ عنهم ذُنوبَهم وخطاياهم .  نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ.

أي: إذا فعلتُم يا بني إسرائيل، ما أمَرَكم الله تعالى، فسيستُر عليكم ذنوبَكم، ويتجاوز عنها، وسيَزيد سبحانه إيمانًا، أو حسناتٍ من فَضلِه- عاجلًا أو آجلًا- مَن أحْسَن في عبادة الله تعالى، ومَن أحسن للخَلْق بوجوه الإحسان المختلِفة .

﴿فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ٥٩ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.

 أي: فغيَّر الظالمون منهم القولَ الذي أُمِروا أن يقولوه بقولٍ غيرِه، فقالوا بدَلَ حِطَّة: حَبَّة في شَعرة، وإذا بدَّلوا القول مع خِفَّته، فتبديلُهم للفِعل من باب أَوْلى وأحرى؛ ولهذا دخَلوا يَزحَفون على أَدبارِهم . عن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((قيل لبَني إسرائيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ، فبدَّلوا، فدخلوا يَزحَفون على أَستاهِهم، وقالوا: حبَّةٌ في شَعرةٍ )) . فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ.

أي: أنزل الله تعالى على هؤلاء- الذين استبدلُوا بالقولِ الذي أُمِروا به قولًا غيرَه- عذابًا من السَّماء؛ بسبب خروجهم عن طاعةِ الله تعالى إلى معصيتِه . 

﴿۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ٦٠ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ. أي: واذكُروا حين طلَب منَّا موسى ماءً لبني إسرائيل يَشرَبون منه .  فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا.

أي: إنَّ الله تعالى قد استجاب لطلبِ موسى عليه السَّلام، فأمَره بأن يضرِبَ عصاه بحجرٍ، ففَعَل ذلك، فخَرجتْ من الحَجر اثنتَا عَشرةَ عينًا من المياه العَذْبة؛ تيسيرًا لهم، وإنعامًا من اللهِ تعالى عليهم . قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ.

 أي: إنَّ كلَّ قبيلةٍ من قبائل بني إسرائيل الاثنتي عَشرة، قد عرَفَتْ محلَّها الذي تَشرَبُ منه من هذه الأعين الخارجة من الحَجر، فلا يُزاحم بعضُهم بعضًا، بل يَشربونه متهنِّئين . كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ الله.

أي: كُلُوا واشْربوا من هذا الرِّزقِ الإلهيِّ، الذي آتاكم مِن غيرِ كدٍّ ولا تعب. وهذا  أمْرَ إباحةٍ وإرشادٍ لهم مِن الله تعالى .  وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.

أي: لا تَسْعَوْا في الأرضِ بالفَسادِ . 

﴿وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٦١ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ.

 أي: واذكُروا يا معشرَ بني إسرائيل حين أخبرتُم موسى عليه السَّلام بضجرِكم وكراهيتِكم للمَنِّ والسَّلوى، وأنْ لا طاقةَ لكم بحَبْس أنفسِكم على تناوُل هذا الطَّعام الذي رزَقَكم الله تعالى رِزقًا هنيئًا سهلًا بلا عناءٍ .  فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا.

أي: ادعُ لأجْلِنا يا موسى، ربَّك؛ كي يُخرجَ لنا بعض ما تنبته الأرضُ من البَقل والقِثَّاء والفُوم، ومن العَدَس والبَصَل . قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.

 

أي: إنَّ موسى عليه السَّلام استنكر عليهم ووبَّخهم بسؤالِهم له طلبَ تلك الأطعمة الدَّنيئة من البقول وغيرها، مع ما لديهم من الطعام الهَنيء، مستبدلين الوضيعَ من العيش بالرَّفيع منه! فقال لهم موسى: أتأخُذون الذي هو أخسُّ قِيمةً وقدرًا من العيش، بدلًا بالذي هو خيرٌ منه قيمةً وقدرًا ؟! اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ.

 أي: هذه الأطعمةُ التي طلبتُم ليستْ بأمرٍ عزيز، بل هي كثيرةٌ؛ ففي أيِّ بلد دخلتموه ستجدون هذا العيشَ الذي تطلُبون . وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله.

 

الفَوائِد التربويَّة:

  • يَنبغي على مَن نصَرَه الله عزَّ وجلَّ، وفتَح له البلادَ، أن يدخُلَها على وجه الخضوع، والشُّكر لله سبحانه؛ لقوله تعالى: وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ .
  • أنَّ الجهادَ مع الخضوع لله عزَّ وجلَّ، والاستغفارَ سببٌ للمغفرة؛ لقوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ، وسببٌ للاستزادة أيضًا من الفَضل؛ لقوله تعالى: وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ .
  • أن الإحسان سببٌ للزيادة، سواء كان إحسانًا في عِبادة الله، أو إحسانًا إلى عِباد الله، كما قال تعالى: وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ .
  • مشروعيَّة الاستسقاء عندَ الحاجة إلى الماء؛ لأنَّ موسى عليه السلام استسقى لقومِه، وشَرْع مَن قبلنا شرْعٌ لنا إنْ لم يرِدْ شرعُنا بخلافه .
  • أنَّ ما خلق الله تعالى من المأكول والمشروب للإنسان، فالأصلُ فيه الإباحة والحِلُّ، كما قال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ .
  • النِّعمة على الآباء، تلحق الأبناء، والذم الذي يوصف به الآباء يلحق الأبناء إذا كانوا على طريقتهم، فقولُه تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى... فيه الخطابُ لهم بأفعال غيرِهم، ممَّا يدلُّ على أنَّ الأُمَّة المجتمِعة على دِين تتكافَل وتتساعد على مصالحها، حتى كأنَّ متقدِّمهم ومتأخِّرهم في وقت واحد، وكأنَّ الحادثَ من بعضهم حادِثٌ من الجميع .
  • أنَّ مَن اختار الأدْنى على الأعلى، ففيه شَبهٌ من اليهود، ومن ذلك هؤلاء الذين يختارون الشيءَ المحرَّم على الشيءِ الحلال .
  • أنَّ اختيار الأفضل من المآكِل، والمشارب، لا ذَمَّ فيه إذا لم يصِل إلى حدِّ الإسراف . 9- أنَّ الذي يستبدل الأدنى بالذي هو خيرٌ، يستحقُّ التوبيخَ؛ لأنَّ موسى وبَّخهم، حيثُ قال: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ .

10- أنَّ مِن علوِّ همَّة المرء أن ينظُر للأكملِ والأفضلِ في كلِّ الأمور .

الفوائد العلميَّة واللَّطائف:

  • أنَّ السُّقيا كما تكون بالمطر النازِل من السَّماء، تكون بالنابِع من الأرض، كما قال سبحانه وتعالى: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا .
  • غَطرَسةُ بني إسرائيل، وجفاؤهم؛ لقولهم: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ؛ ولم يقولوا: (ادع لنا ربَّنا)، أو: (ادع لنا الله)؛ كأنَّ عندهم- والعياذ بالله- أَنفَةٌ، مع أنَّهم كانوا مؤمنين بموسى، ومع ذلك يقولون: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ، كما قالوا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون [المائدة: 24] .
  • أنَّ بَني إسرائيل لا يقومون للمسلمين لو حاربوهم من قِبل الإسلام؛ لأنَّ ضرب الذلة عليهم وقع بسبب المَعصيةِ، فإذا حُورِبوا بالطَّاعة، فلا شكَّ أن الوبالَ سيكون عليهم .
  • يتبين من قوله تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، أنَّ اليهود قد ضُرِبت عليهم المسكنةُ، وهذا يَشمل فقرَ القلوب الذي هو شِدَّة الطَّمع، بحيث إنَّ اليهوديَّ لا يَشبع، ولا يتوقَّف عن طلب المال، ولو كان من أكثرِ الناس مالًا؛ ويَشمل أيضًا فقرَ المال وهو قِلَّتُه .

 5- في قوله تعالى: وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله إثباتُ صِفة الغضَب لله عزَّ وجلَّ .

مرفق بصيغة بي دي إف
مرفق بصيغة وورد